[size=24]ياسر الشافعي صانع و عازف الناي
صوت آلة الناي من الأصوات الموسيقية التي تشجى، وتؤثر في الوجدان فأحيانا تشعرك بالحزن، وأحيانا بالفرح والسعادة والشجن, وأحيانا بالراحة النفسية والحاجة إلى الاسترخاء فهي من الآلات المعبرة في كل المواقف.
كانت الصدفة وراء معرفتي بالآلة فمنذ سنوات بعيدة سمعت هذا الصوت الشجي، ولم أشعر بنفسي وأنا أسير وراء من يعزف ويجوب الشوارع والأزقة ويبتاع منه الأولاد وأشترى منه، وحاولت أن أفعل مثله فكانت هناك صعوبة بالغة في خروج هذا الصوت الجميل، ولكن بمرور الزمن والمحاولات المستمرة نجحت، وأصبح الأمر طبيعي، وأصبحت من العازفين المحترفين دون أن أتتلمذ على أحد من رواد الآلة.
كانت هناك بعض المشاكل التي تعرضت لها أثناء العزف، والسبب كان في صناعة الآلة فرغم مرور عدة عصور وحضارات على نشأة آلة الناي إلا أن أسلوب تصنيعها وتطويرها كان بطيئا للغاية، حيث أن الصور التي وجدت عليها في الحضارة المصرية القديمة على سبيل المثال لا تختلف كثيرا عن الصور التي وجدت عليها الآن على الرغم من الطفرة التكنولوجية الهائلة التي نعيشها.
لكن يجب أن تعلم أن الناي، وهو آلة ذات شيوع وكثرة في الإستخدام في عصرنا الحالي، وله دور أساسي في التخت الشرقي الأوركسترا، وعلى الرغم من ذلك لا يوجد حتى الآن على مستوى العالم أي مصنع لتصنيعه مما أدى إلى قلة الدارسين له، وإحجامهم عن العزف عليه نظرا لكثرة المشاكل التي يتعرضوا لها أثناء محاولة التدريب على العزف به، لأنه ليس هناك قاعدة علمية لصناعته، ولكنه يعتمد على الخبرة المكتسبة لدى الصانع ونظرية التجربة والخطأ.
هذا بدوره أدى إلى افتقار الآلة للدقة في الأبعاد (المسافات الصوتية - النوتة الموسيقية) وأصبح الوضع في حاجة إلى براعة العازف بأن يتحكم في أسلوب نفخ الهواء داخل الناي بأن يميل بشفتيه مغيرا من زاوية دخول الهواء (النفخ) داخل الناي فكلما اتسعت الزاوية بين شفتي العازف وفتحة النفخ أدى هذا إلى زيادة التردد (الذبذبة الصوتية) ، وكلما ضاقت الزاوية إنخفض التردد ونجد أيضا مع الحالتين السابق ذكرهما أن يزيد العازف أو يخفض من قوة النفخ.
وكل هذا الغرض منه تعويض العجز في صناعة الآلة، ولا يستطيع القيام بهذا إلا العازفين المحترفين من ذوى الخبرة والمهارات العالية، وهذا يحدث مع النغمات بطيئة الإيقاع فقط، ولكن مع النغمات سريعة الإيقاع لا يستطيع أي عازف التحكم في الأصوات النابعة من الناي مهما كانت درجة كفاءته.
مما سبق ذكره وقد ساقتني الظروف للخوض في موضوع الصناعة نظرا لكثرة المشاكل التي تعرضت لها من جراء العزف على آلات غير منضبطة علما بأنني قد بدأت في ممارسة العزف على آلة الناي منذ عام 1968م إلا أنني منذ بداية عام 1993م وإلى 1996م وأنا أعمل جاهدا للوصول إلى قاعدة علمية ثابتة أتمكن بها من الرقى بعلوم تدريس، وصناعة آلة الناي، وجعلها لا تقل دقة عن آلات النفخ الغربية التي أصبح لها شكل ثابت تمكن العازف عليها من القيام بكافة المهام الموكلة إليه دون وجود أي صعوبات في ذلك.
في بادئ الأمر توقعت إنني سأجد من المراجع ما يساعدني على الخوض في هذه الأبحاث دون وجود أي مشاكل من الناحية العلمية، وكان لابد عندما تريد أن تبحث في صناعة هذه الآلة أن تعلم كل شئ عن طبقاتها الصوتية، والدرجات الصوتية الأساسية الموجودة في كل طبقة حتى تتمكن من حصر كامل لإمكانية عمل الأبحاث من أجل التصنيع، ولكنى وجدت أن كل المدون من هذه الطبقات يعد على أصابع اليد الواحدة وغير مكتمل، والباقي منه يعتمد على الاجتهاد الشخصي للدارس أو العازف، ومدى حاجته إلى ذلك.
من ثم كان لزاما على لكي أتمكن من استكمال أبحاثي ودراساتي عن الآلة أن أعمل حصرا شاملا للطبقات الصوتية الموجودة بالآلة بالإضافة إلى الدرجات الصوتية الأساسية الموجودة في كل طبقة حتى تصبح الأبحاث مكتملة الأركان، وعلى أساس علمي ومنهج واضح.
فنظرا للمجهود الشاق الذي بذل في هذا الموضوع قد عزمت على تدوين ما تم إنجازه في هذا الشأن، ونشر تلك الطبقات كاملة وعددها - 39 - طبقة، وكان حصر هذه الطبقات يعتمد على أن أطول ناي يمكن أن يمسك به عازف ويتمكن بصعوبة من العزف عليه هو ناي اليكاه (قرار نوى - قرار صول) ، وأيضا فإن أقصر ناي يمكن أن يمسك به عازف ويتمكن بصعوبة من العزف عليه هو ناي المحير (جواب الدوكاه - جواب رى)، بالإضافة إلى الموضوعات الخاصة بجميع علوم الآلة حتى يتمكن أي عازف سواء كان من المحترفين أو الهواة، وخصوصا الدارسين لهذه الآلة من معرفة أبعادها الكاملة لخلق أجيال جديدة قادمة قادرة على التطوير والعطاء في ظل علم واضح ومكتمل الأركان.
واحمد الله عز وجل أنه خلال فترة وجيزة قد أمكن معرفة مفاتيح أسرار صناعة الآلة حيث أن قد تم الاستعانة بالكمبيوتر والأشعة المقطعية في تحديد أبعاد الآلة وقد تم نشر هذا في اليوم الرابع من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية الرابع الذي عقد في القاهرة في شهر نوفمبر من عام 1995م.
م./ ياسر محمد الشافعي:
رائد هندسي في مجال بحوث وتطوير آلات النفخ الموسيقية الشرقية وخاصة
آلة الناي، فهو مخترع ومبتكر في صناعة آلة الناي بأحدث الأساليب العلمية الحديثة المتطورة، وذلك بالإضافة إلى أن له عدة كتب وأبحاث وأختراعات.
من مواليد القاهرة 9/12/1959م، عضو نقابة المهن الموسيقية عازف ناي، له بعض المؤلفات عن آلة الناي، منها الأبعاد الصوتية في آلة الناي – الأبعاد الصوتية الأساسية في آلة الناي – الأبعاد الصوتية الأساسية في آلة (سوبر باص ناي)، البوصلة الموسيقية لآلة الناي بلاس، أعد بعض مؤلفات أخرى عن كل من، آلة الناي عند الفراعنة – الناي – الكولة – المجرونة – الأرغول – الأورمة – الترماي – المزمار البلدي…، كتب في كل منها عن أبعاد الصوت، أسلوب العزف، المقامات الموسيقية وعلاقتها بالسلم الموسيقي للآلة، تمارين، المعزوفات الشهيرة التي تم تلحينها من أجل الآلة، صناعة كل آلة، له مجموعة من براءات الاختراع منها …، الناي السوبر-الباص ناي-السوبر باص ناي-الناي الفلوت الشرقي-الباص فلوت الشرقي-الباص كولة، قام بتأسيس المركز المصري لبحوث وتطوير آلات النفخ الموسيقية الشرقية (آنموش). [size]